Sep 25, 2010

فتاة الليل

حكايات بنعيشها و نتعلم وخصوصاً إللي إتألم
وإللي يعيش في الحياة و الله يا ما يشوف
فيه ناس شقيانة و بتسلم و فيه ناس بتتحدى الخوف
للأسف الشديد قليلة هي الأعمال الدرامية التي يتصادف أن يرى أحد منا نفسه فيها يجلس معها جلسة صفا يتخللها عتاب رقيق أو سلام حار بعد وحشة كبيرة او ربما فتح حسابات قديمة وتعديلها أو الإصرار على البقاء عليها كما هي ، أن تقابل الفنون بشكل عام نفوسنا من وجهة نظري أمر لابد وأن يكون بديهي وأساسي وليس حالة أو فكرة تأتي بالمصادفة ( وأقصد بذلك الإنسان المصري الفطري البسيط وهو مازال موجود لكن لا أعلم لماذا تنكر وجوده الأغلبية العظمى رغم ان وجوده دليل على أن الدنيا مازالت بخير )
النفوس الصادقة تاهت وسط قصص القتل و الصراع على المناصب و السلطات و فساد رجال الأعمال و الإرهاب و الخيانة و الجنس حتى صارت لا تجد لها مكان على الشاشة كما هو حالها في الحياة
تجاهل أو نسيان النماذج الصادقة النقية المتأملة الأملة في المدينة الفاضلة هو مشاركة مع المجتمع في تدميرها ووضعها في ركن مهمش يطلقون عليه ( السذاجة ) وتبقى المساحة الأكبر لتمجيد أصحاب المذهب الفهلوي والخبرة الجوفاء و الأقنعة والذكاء الأبله قصير النظر والعمر ، وكأن الكون يصر على قلب موازينه فيمجد و يكرم كل ما هو خبيث و يعاقب و يستبعد كل ما هو حميد
لماذا نجح فيلم مثل ( أسف على الإزعاج ) هذا النجاح المدوي الغريب ؟! لماذا ترسخت في أذهاننا شخصيات مثل ( أبو العلا البشري ) و
طُلبة في الرجل و الحصان ونتذكرها عندما نتذكر أيام الطفولة والبراءة و كأنها جزء من تكويننا الفطري ؟ لماذا أنتبهنا أمام أفلام مثل ( في شقة مصر الجديدة وميكانو و رسائل البحر ؟ ليس لأنها نوعية جديدة او مفتبسة من محل الثقة الأبدي " السينما الأميركية " كما حلل البعض ولكن لأنها لمست نفوس كثير بشكل أو بأخر نفوس نادراً ما وجدت من يعبر عنها رغم كثرتها من حولنا في الحياة !!! فكانت حالة النجاح أو الإنتباه هذه نتاج حنين اللقاء مع النفوس الطيبة
ومحدش عارف فين بكرة و لا جاي وواخدنا لفين
ودي خدعة و عمرنا على فكرة بيعدي كأنه دقيقتين
ومحدش عارف فين بكرة و لا جاي وواخدنا لفين
مين عايش مرتاح في حياته بإرادة البني آدمين
وهكذا كان اللقاء مع ( عاليا ) فتاة الليل في الحكاية الثانية من مسلسل " حكايات و بنعيشها " ... لم تكن عاليا تظهر ليلاً فقط للشاب السادج الأعزب ( فارس ) لأنها ساقطة و تطارده ولكن لأنه ساذجة و رومانسي مثله رافضة للنور المزيف مثله "
بعد أن إعتزلت الحياة في شقة بعيدة عن المدينة ، لم تجد في هذا وحده النجاة من هذا الكم من الزيف فقررت فقررت أن تجعل الجميع يعتقد أنها إنتقلت للرفيق الأعلى وبهذا هرب من نور الدنيا التي نكرتها وعاشت في الظلمة كروح تظهر للطيب مثيلها بالليل فقط تسمع معه حليم و تشم معه الياسمين وتسخر معه من أدعيا الخبرة و من ظنوا انهم فهموا الدنيا و وضعها في جيبوهم وتختفي بمجرد ظهور النهار رافضة المنطقيين و الواقعيين المقنعين اللذين أوسعوها سخرية و عذاباً مكتفية بشمعة واحدة فقط تسير بها لعل َ قصد بها المؤلف الامل في بقاء مثل هذه الشخصيات في الحياة
وعكس ما يظن الكثير أن الظلام يطمث الأشياء و النور يفضحها أيقنت هي بعد رحلتها هذه أنه يمكن أن يكون العكس يمكن للظلام أن يكشف الأشياء و يعريها و النور يطمثها و يزيفها ... و بالفعل كشفت لها الظلمة على أن هناك مثلها وأنها ليست كائن غريب
مكتوب لِنا إيه في الأيام الباقية بنلف ليه في ساقية
ده السؤال إللي مفيش أي رد عليه
وتُكالنا عليه ربما هيدبرها ليه حكمة السؤال ده يخبيه
كانت عاليا في النور فنانة تشكيلية مع إيقاف التنفيذ ولكونها جاءت بالخطأ من زمن الأبيض والأسود لزمن الألوان فهي خارجة عن قائمة هؤلاء اللذين تُرحب بهم الدنيا و تنعم عليهم بفرصها الذهبية فبدأت بعقابها على برائتها منذُ نعومة أظافرها بأب وضعها في قمم بإسم العادات و التقاليد وحرمها إكتساب الخبرات و إتخاذ الإحتياطات في مواجهة كل هذا الزيف وعندما تنبهت بانها تكبر في العمر وافقت على الزوج التقليدي ( رابح ) لتحلق بحلم الأمومة بعد أن فقدت بشكل إجباري كل أحلامها وأولها الحب و العمل ظنت ببرائتها انها قادرة على صنع الفرصة لنفسها و لن تنتظرها من تلك الدنيا وان رابح عندما يتلقى منها كل هذا الحنان والرومانسية حتماً سيولد من جديد ، وبدأت خرج ريشتها من حافظتها الإجبارية وترسم بها عالمها الجديد فوق قمشاتها البيضاء ... لكنها لم تضع في حساباتها أن قماشتها البيضاء و فرشاتها السوداء لن يصمدوا كثيراً أمام حدية الفواقع الجارحة و الرماديات الخبيثة الزوج يعنفها دائماً بسبب تلقائيتها مع الجيران و الخادمة وزوجات شركاءه في حفلات البيزنس وفعل الخير بتقديم الحلول و النصائح والتدخل لحل المشاكل فتكون النتيجة ان يُطلب إستلامها من قسم الشرطة ... يأست من إقامة معرض فن تشكيلي فكل قاعات المعارض صارت حِكر على أسماء معينة ॥ فكرت تستغل موهبتها بشكل أخر فعملت كمنسقة أفراح فصفعها شلال من غرور و تفاهة الطبقة التي تستعين بمنسقين لإقامة أفراحهم تعاملوا معها على أنها مجرد أداة لتنفيذ تصوراتهم الخرافية من وجهة نظرهم للأفراح حتى باتت مكتئبة جداً لكونها لكونها تشعر أنها مازالت عاطلة لا تعمل و لا تبتكر و لا تفعل شيء ذو تأثير ومثلها لا يستطيع أن يعيش فقط للطعام والشراب والجنس والتنزه ، أما مديرها فكان يتعجب من أمرها لماذا تشكو و هي تأخذ راتبها في موعده والعملاء يخففون عنها مجهود كبير بالإصرار على رؤيتهم ( يا رتني انا كده باخد مرتب من غير ما أفكر ولا أتعب هي عبيطة دي ولا إيه ؟ ) لم يحاول أن يفهم أبداً تساؤلها المستمر ( أنا بعمل إيه ؟؟ .... حضرتك مشغلني معاك ليه ؟... وهم جايين يستعينوا بمنقسة ليه ؟؟ .... أنا دوري إيه ؟؟؟؟ ) وكانت في النهاية إجابته إنتي هنا تحت أمر رغبة العميل مش عشان تحققي طموحك الفني أمنا سعيت عشان أشغلك معايا و أستفيد من موهبتك لكن الموهبة و حب العمل لوحدهم مش كفاية... خسارة إنتي مش فاهمة الدنيا صح !! ) فضلت بعد يأس ترك العمل رغم قلة الفرص لمن مثلها في تصرف غير واقعي من وجهة نظر كل من حولها
تترك العمل لتصطدم بخيانة زوجها ... الطيبة و الحنان و الرومانسية لم يغنوه عن ( السيلكون ) الماكياج الصارخ و العطور المثيرة والجسد المتلوى دائماً بدون سبب والحركات التي تحمل في جوفها دعوة للجنس أدخلوه عالم الأنوثة ... فماذا يفعل بأغاني حليم ، ولماذا يعترف بأن الياسمين عطر .... فلتعود بهم إلى قمم أبوها
إنتبه الأب أخيراً لما فعله بإبنته وواجه الزوج بضرورة الطلاق ولكنه إنتبه بعد فوات الأوان فأكتشف أنه قام بتطليقها بالفعل منذ مدة غيابي لكنه أخفى عنها الخبر مدة أطلو ليتشفى في برائتها و هو يراها تتذل له في طلب الطلاق و عذاب البحث عن ثغرات مقنعة للخُلع وهو يماطل
ويستمر خروج المؤلف حازم الحديدي عن المألوف فرفض أن تنهار عاليا ففي إنهيارها إحباط للأمل تركها تنعزل مع خادمتها في شقة بعيدة عن المدينة ثم عندما بلغ بها الألم أقدمت على الإنتحار فأرسل لها في الوقت المناسب ما يمكن ان يرجع مخلوقة مثلها عن تلك الخطوة ॥ أسرة فقيرة تحتاج لعلاج وطعام نظيف وهذه الأسرة لم ترجعها عن الإنتحار لرغبتها في مساعدتهم فقط ولكنها أدركت أنا هناك مآسي في الدنيا أكثر بكثير فخفف عنها ذلك من ألمها قليلاً
وفي نفس التوقيت جاءت حادثة موت الخادمة محروقة في الشقة ، ولأنها كانت ترتدي فستانها القديم و سلسلتها و لها نفس لون شعرها ظنوا أنها هي ... فأعجبتها الفكرة و قررت أن تكمل اللعبة وتعيش حرة في الظلام و تختفي بالنهار وهكذا تصادقت مع فارس جارها
أحكموا سيناريو إختفاءها و تصديق العائلة لموتها وطريقة تعرفها على فارس وظهروها له ليلاً فقط أم لم يحكموه عن نفسي لا يهمني ... المهم أن عاليا مازالت حية ... مازال لديها فرصة لتعيش الحياة التي تمنتها... وأن تحب الشخص الذي تمنته وتفهمها وشعُر بألامها وحاول التخفيف عنها لا تعنيفها لأنها حزينة و هو لا يحب ( النكد ) ... وإحتواها و إحتوته فأعاد لها ضحكتها بحنانه و تفهمه ... المهم انها وجدت من تظهر معه و من أجله مرة أخرى للنور مستندة عليه و مستند عليها ضاحكين في براءة بعد كل حفرة ينزلقون فيها في شوارع الملل و الزيف
كلمات التتر للشاعر أيمن بهجت قمر اكثر من رائعة كانت خليط غريب من الرومانسية و الواقعية في نفس الوقت ، اللحن و صوت جنات كانا معبران جداً ....المخرجة هالة خليل إمرأة ادركت كيقف توصل لنا وجع إمرأة مثلها و حالة فريدة من المشاعر اظهرتها بحرفة بأبسط اللمسات بمنتهى الرقة و النعومة .... صورة جميلة و جذابة لمدير التصوير .... الفنان باسم السمرة دائماً مقنع ولكنه كان في اكثر حالاته إتقان بدا طبيعياً جداً في دور الشاب الساذج الذي يهتم بتدوين تاريخ من علاقات نسائية ولا يرى الرموز الفهلوية طريقة جيدة للفوز بفتاة يعجب ، يخلص لكل شيء مهما كان صغير او إنتهى عمره في حياته بداية من صورة جدتها المتوفية التي يلقي عليها تحية الصباح كل يوم لصوت حليم ... الفنان القدير رشوان توفيق قدم الأب هذه المرة بشكل مختلف الأب الحائر ما بين حبه لإبنته و تمنياته لها بالنجاح في الحياة و أن يراها دائماً سعيدة و ما بين العادات و التقاليد و الخفو عليها من تخبطات الحياة.... الفنانة هناء الشربجي يهيأ لي أنها إستحضرت خبرتها كلها لتخرج لنا بهذا الكل الجميل دور المرآة التي تعيش في فيلتها وحيدة على ذكرى زوجها وحبيبها و تتحدث معه و تداعبه و كأنه حي مازال يعيش معها و إستعجالها الموت والتهيأ له باسمة لأنها ستكون على موعد معه هناك ... النجمة ليلى علوي او عاليا قدمت بحق دور عمرها وكانت أكثر مرة مقنعة و اكثر مرة جميلة ... وأخيراً المؤلف حازم الحديدي لا اتذكر اني تابعت له عمل من قبل لكن بعد ( فتاة الليل ) سأبحث عن إسمه في تترات المسلسلات
تحية من القلب لهذا العمل المتميز المختلف الذي خرج بي عن المألوف و عن كل ما قدم في رمضان هذا العام وعشت معه حالة متفردة جداً

14 comments:

نبضات said...

اول المعلقيييييييييييييين
من أجمل ماقرأت لكى بجدددددد
تحفه حسيت كانى فى عالم اخر وأنا أقرئها وحسيت شخصيه عاليا فيكى جدا
سبحان الله صدفه غريبه نفس الأسم
أسلوبك وتشبيهاتك فى البوست دا بالذات جميله جداااا حسيت كانى شوفت المسلسل وفى نفس الوقت تشوقت لرؤية الحاله الجميله اللى حكيتى عنها
بوست مميز جداااااياعاليا
أنتى كتبتى عن كل المعانى الجميله فى شخصية عاليا وكل المعانى فى المسلسل

ومقدمة الموضوع حلوه اوى

تمنياتى لك بالتوفيق الدائم
وسعيده ان ليا صديقه رقيقه وجميله مثلك

Unknown said...

أشكرك من القلب على تشجيعك الدائم صديقتي العزيزة ولو كنت خايفة يطلع مستواه ضعيفة لإني بقالي كتير بجد متكبتش لكن المسلسل فتح نفسي
وعلى فكرة لما تتفرجي على المسلسل هتلاقي عاليا فيها منك برده
:)
وأنا أسعد غن لي صديقة رقيقة طيبة بريئة مثلك حسستني غني مش كائن غريب
:)))

Hadota ... حدوتة said...

انا الحقيقة عجبنى المسلسل جدا واتفاعلت مع الحالة بشكل غير عادى

بداية بدور عاليا واللى كانت لتتعامل مع الدنيا ببراءة متناهية متخيلة ان مجرد كلمة حلوة او تصرف نبيل ممكن بكون جواز مرور ليها فى مواقف مختلفة .. او حتى انها تقول كلمة حق او تاخد موقف حازم من حاجة بعيدا عن اى مجاملات دا ممكن يصلح امور كتير مايلة حوالينا .. وصدماتها المختلفة فى جوزها ومديرها فى الشغل وحتى فى ابوها لما فوجئت انه بيطلب منها تستمر فى جوازة مسببة ليها التعاسة لمجرد خوفه من طلاقها

طبعا عجلنى برده دور باسم سمرة والبنت اللى كان هيخطبها دى ..صعبت عليا واتعاطفت معاها جدا وهيا بتحاول تغير من نفسها وتتقبل كل المتناقضات اللى فى باسم سمرة عشان تتجوزه

برغم ان هط سير الاحداث كان بطىء والنهاية كانت سريعة ومش منطقية الا انها عجبتنى لان اهم حاجة ان عاليا طلعت عايشة وباسم سمرة اتبسط فى الاخر لانى لو مكانه كنت اتجننت :D

تحية كبيرة لمقالك عجبنى جدا تشبيهاتك وطريقة عرضك للاحداث والاكتر احساسك بيها

Unknown said...

حدوتة :)
حدوتة الجميلة
شفتي لما قالت لمرات واحد من شركاء جوزها في الحفلة إنها جايبة قماش الفستان من وكالة البلح عادي
:)))
طب مش فاهمة حاجة زي كده مثلاً فيها إيه
لازم تفشر و تقول جايبة الفستا من باريس
هي سعيدة بغنها عملت فستان تصميمه مختلف بإيديها و وبتكلفة قليلة
:))

Tears said...

جميل اسلوبك

و قدمتى تناول شيق

Unknown said...

تيرز :)
شكراً ليكي

Rania Sayed said...

المسلسل رائع و ناعم جدا و مبروك على مدونتك وبالنجاح و التوفيق دائما يا عاليا

غمض عينيك said...

جامد اوي ياعاليا عرضك للمسلسل وقرائتك للشخصية
افتقدت تدويناتك جدا

تحياتي
محمد سمير

romansy said...

بهديكم بوكيه من الورورد على أنغام أحلى عود ودايما العيد عليكم يعود كل سنة وانتم دايما بخير

عيد سعيد على كل الناس الطيبين

MKSARAT - SAYED SAAD said...

وصف بسيط وسهل وفي نفس الوقت قوي جدا

Unknown said...

رانيا :)
ميرسي رانيا وأرجوا تكون المدونة عجبتك و نشوفك هنا على طول
:)
------------
غمض عينيك :)
ياااااااااااااه
والله زمان
وإنت كمان والله وحشتنا تديوناتك و خفة ظلها إللي كانت بتروح عننا كتير
--------------
رومانسي :)
وإنت بالصحةو السلامة ولإنها متاخرة
:)
أصلي مفتحتش المدونة في العيد
:)))))
-------------
مكسرات :)

الحاضر الغائب
كنت مغرق سيرفيس الأرز البسمتي في العيد
:))))))))))

حسن ارابيسك said...

أذيك ياعاليا
دائماً وأبداً إن شاء الله أنتي دؤوبة المسعى لكل ما هو قيم وجميل ومبدع
وأعلم بالطبع أنكي مشاهدة غير عادية لكل ما تقع عليه عيناكي الجميلتان فهما جميلتان بكل ما تستوعبة من إبداع الأعمال التي تراها ويفضفض بها لنا مداد قلمك المطيع لكي دائماً في كل ما تجود به قريحتك العبقرية
تحياتي
حسن أرابيسك

الطائر الحزين said...

مبروووووووووووووك
مبروووووووووك
مبروووووووك
مبروووك
مبرووك

مها العباسي said...

تحياتى كتبتى كل المعانى الجميله اللى بين سطور المسلسل